حصص تموينية على الحائط
كاظم فنجان الحمامي
في البندقية, المدينة الايطالية التي لا علاقة لها بالبندق ولا بدخان البنادق, تفيض جدران المقاهي بالسخاء والكرم الطليانيٍ, وتُنشر البطاقات التموينية للقهوة والكاكاو والكاباتشينو على حيطان الكازينوهات, حتى تكون متاحة دائما للفقراء, الذين لا يملكون النقود, ولا يستطيعون دفع تكاليف القهوة.
يحدثنا صابر بن حيران عن هذه الصدقات الجارية فوق الجدران, يقول: في يوم من الأيام كنت احتسي القهوة في إحدى مقاهي هذه المدينة العائمة على وجه البحر, فجلس إلى جانبي شاب ايطالي بهي الطلعة, وقال للنادل: اثنان قهوة من فضلك, واحدة منها على الحائط, فاحضر النادل له فنجان قهوة, شربه الشاب على عجل, لكنه دفع ثمن فنجانين, وعندما انصرف الشاب, قام النادل بتثبيت ورقة على الحائط مكتوب فيها: (فنجان قهوة واحد), ثم دخل شخصان, وطلبا ثلاثة فناجين قهوة, واحد منها على الحائط, فاحضر النادل لهما فنجانين, فشرباهما, ودفعا ثمن ثلاثة فناجين وانصرفا, فما كان من النادل إلا أن قام بتثبيت ورقة على الحائط مكتوب فيها: (فنجان قهوة واحد).
يقول صابر بن حيران: وفي يوم آخر كنت جالسا قرب واجهة المقهى, فدخل رجل عجوز من فقراء المدينة, وقال للنادل: فنجان قهوة من على الحائط من فضلك, فاحضر له النادل فنجان قهوة, فشربه وغادر المقهى من دون أن يدفع فلسا واحدا, فذهب النادل إلى الحائط, وانزل منه واحدة من الأوراق المعلقة, ورماها في سلة المهملات.
تأثرت كثيرا لهذا التصرف الإنساني الرائع, الذي نقله لنا صابر بن حيران, وانبهرت بكرم سكان البندقية, وسخائهم الذي يعكس أرقى أنواع التعاون والتكافل الاجتماعي بين الناس.
صورة جميلة زاخرة بالحض على كفالة الفقراء, ومشاركتهم آلامهم وتنفيس الكرب عنهم ولو بفنجان قهوة وكوب من الماء البارد, وكأنهم يعلموننا من حيث لا يدرون بحجم التباعد بيننا وبين أجدادنا الأخيار, الذين كانوا ينصحون الناس بالتصدق ولو بشق تمرة, فما أجمل أن نجد في العراق من يفكر بالعراقيين, الذين لا يملكون ثمن الإفطار في هذه الشهر الكريم, وما أجمل أن نرى جدران المساجد وواجهات المؤسسات الخيرية وقد امتلأت بقوائم المواد الغذائية المتوفرة لديها, ونرى الناس يستطلعون النماذج والنوعيات والكميات المعروضة على الجدران, ويختارون ما يسد حاجاتهم, ومن دون أن يعرفوا من هو فاعل الخير, ومن الذي تبرع لهم ؟؟, وما أجمل أن نرى مجتمعنا منشغلا بتطبيق التكافل عقيدة وعبادة وشريعة ونظاما وخلقا وسلوكا, وفقا لما جاء به الكتاب والسنة, واقتداء بصورة التكافل المزدوج التي أقامها الإسلام بين الفرد والجماعة, فأوجب على كل منهما التزامات تجاه الآخر, وفرض على الدولة المسئولية الكاملة عن فقرائها الذين لا يجدون عملا, ولا تتسع مواردهم للوفاء باحتياجاتهم البسيطة.
ليس هناك ما يريح النفس أكثر من أن نرسم ابتسامة على شفاه ظلت عابسة طويلا, وليس أعظم من أن نوفر الخبز لبطون خاوية جائعة, وليس أسعد من أن تشترك الدولة والمجتمع في ضمان الأمن الغذائي للفقراء والمساكين, وليس أروع من أن نوفر للفقراء قوتهم اليومي, ونجنبهم مآسي العوز والفاقة, وليس أرقى من أن يكون البرّ بالناس سبيلنا ومنهجنا.
كلمة أخيرة: لم يكتف الله تعالى بتذكيرنا وترغيبنا للقيام بمسئولياتنا تجاه الفقراء, بل أراد أن يربينا على العطاء, وأراد أن يُدخلنا التجربة, ونعيش ألم الجوع والحاجة, فأوجب علينا الصيام, فليس أقوى من الألم كدافع للتحرك تجاه الذين يقضون حياتهم كلها في الجوع والألم. فمتى نعلق بطاقات الحصص التموينية على جدران الضمائر المتحجرة وبوابات القلوب القاسية ؟؟. انه مجرد سؤال موجه إلى أعضاء البرلمان في كوكب عطارد.
اتمنى تستفادون من القصه
تذكروا اصدقائي(ان الله جعل في اموال الاغنياء ما يغني الفقراء)