تعتقد بعض النساء أن الصمت خصلة حميدة، وصفة تعلي من شأن المرأة،
وأخذن يطبقن تطبيقاً أعمى المثل القائل: إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب.
فأغلقت الواحدة منها فمها إغلاقاً محكماً، وأصبحت كالآلة الصماء في بيتها.
يدخل الرجل المسكين إلى داره متعباً منهكاً، وهو يحلم بكلمة لطيفة رقيقة تمس شغاف قلبه،
فتمحو عنه كل أثر للتعب، لكنه لا يجد أمامه إلا امرأة آلية تضع له الطعام وهي صامتة،
وتأكل معه وهي صامتة، لا يسمع إلا صرير أسنانها وقت المضغ، ثم تقوم لغسل الأطباق،
وتنصرف إلى شؤون البيت الأخرى، وإذا نطقت نطقت ببيان مسهب عن حاجات البيت ومتطلباته.
وهناك فريق من النساء يعتقدن أن كسب قلب الرجل وجذبه واستمالته تكون بإطالة
الحديث والإطناب في الروايات، يدخل الرجل إلى داره وكأنه داخل إلى وكالة أنباء
عالمية تافهة، فهي تستقبله، وفي رأسها مليون خبر، وتبدأ في سرد أخبار الأولاد-
الخادمة - الجيران - البقال - التليفون - الأصدقاء، ولكثرة الأخبار وتزاحمها في رأسها
نراها تقص الخبر ولا تكمله، بل تنتقل إلى خبر ثان وثالث، فتتداخل الأخبار وتضارب القصص،
فيتعسر على المستمع المسكين أن يفهم خبراً واحداً وكل ذلك ينتج عنه صداع مزمن يرتمي
على إثره الزوج مريضاً، فيستسلم للنوم هرباً من نوبة إخبارية جديدة، وكلا الصورتين لها
خطورة بالغة على الحياة الزوجية.
فالصمت التام يبعث الملل في النفس، ويفتح هوة سحيقة في قلب الزوجين مما يهدد العلاقة
بالتمزق والانفصال، والثرثرة تجعل الرجل يشعر بتفاهة زوجته واستصغارها، وعدم تقديرها
أو الثقة بكفاءتها.
على المرأة أن تكون واعية وذكية، وتعرف الأوقات المناسبة وتختبر المواقف. فهناك مواقف
تحتاج إلى إيجاز في الكلام كأن يكون الرجل تعباً مرهقاً، أو يكون منشغلاً بأمر مهم، فعليها
أن تقدر موقفه وتوجز له الحديث.
وهناك مواقف تحتاج إلى إطناب في الحديث إذا كان الزوج قد أخذ قسطاً من الراحة، وعنده فضل وقت.
وعلى المرأة أن تختار حديثاً ذا مغزى تجذب زوجها به للدخول في مناقشات مفيدة،
وأن تتبادل معه الآراء الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
والمرأة الذكية هي التي تعرف طبيعة عمل زوجها، وتتفهمه، وعليها أن تشاركه
في مشكلاته العملية، وأن تضع معه حلولاً مناسبة.
وعليها أيضاً أن تشارك زوجها في هواياته، وتوسع ثقافتها في كل ما يحبه زوجها
حتى يجد طعماً لحديثها.
فالصمت والثرثرة إن لم يستخدما في مواطنهما الحقيقية كان سبباً في ترسب الجفاء
في نفوس الزوجين.