ظلت ظاهرة الكذب رديفا لافكاك له لظاهرة القسر بشتى تصانيفها ومسمياتها ، بدءا من قسر الاعراف والتقاليد مرورا بقسرالمعتقدات الميثولوجية حتى عهد سن القوانين والتشريعات . ولست اعرف تاريخا محددا لظهور اول حالة كذب في عمر البشرية،غير ان مايمكن ان يجمع عليه الاغلب الاعم من ذوي الشأن، أن الكذب أنوجد مع ظهور أول نواة أجتماعية، ولم تكن ظاهرة الكذب نتاجا خيطيا لظاهرة القسر حصرا ، بل تظافرت مولدات عدة في صنعها ، نفسية واجتماعية وبيولوجية ايضا ، غير ان ما يعنينا منها هنا تتبع اثارها السياسية وحصرا السلطوية منها، من اجل حصر اضرارها الفادحة التي باتت تهشم في الصميم توازن وسلامة الشخصية العراقية وبالتالي النسيج الطبيعي للمجتمع العراقي .
الامر اللافت قوة وفاعلية الخطاب السلطوي السياسي، عبر التاريخ، في التأثير الضار لتعضيد ظاهرة الكذب وقد حفل تاريخنا بنماذج عدة من الحكام الذين اختطوا سياقات وانماط لتلك الظاهرة بل ابدعوا في خلقها ايما ابداع ، وظلت المفارقة الحادة بين القول عبر انواع الدعاية السياسية لصالح الحكام و الفعل عبر سلوكهم اليومي في تضاد تام لفحوى تلك الدعاية، كما ظلت تلك المفارقة مهيمنة تاريخية دائبة الفعل والتأثير وبنحو بالغ السوء في مصائر الناس وحيواتهم .
يحكى ان رجل دين يدعي العفة والورع أمام الناس ،ويقيم علاقة خاطئة مع أحداهن، وبينما هو منهمك بفعل الخطيئة معها، اخبرته ان الناس باتوا يتهمونها بعلاقتها الخاطئة معه ، رد عليها رجل الدين وهو منشغل بها : انتخي بالله ان يقتص لي ولك منهم... مع ملاحظة الوظيفة التبريرية لدين السلطة على مر التاريخ.
وبتأثير آلية التشبه بالمثال فقد قدم الحاكم نفسه على الدوام مثالا ينبغي ان يحتذى بوصفه ايضا قد حذا حذو الآله، من قبل، في سماته جميعها حتى اختاره خليفة له على الارض ، بغض الاعتبار لتمظهرات الفكرة ذاتها،وقد وجد من بعده كثرة كاثرة ممن راح يحذو حذوه، فانتجت فكرة الحاكم، وهو في الاغلب الاعم مستبد وطاغية ،مستبدين وطغاة صغار، الامر الذي بتنا نعايشه يوميا أيام طاغية العراق المقبور،وأصبحنا نعايش بعضا من ملامح ذات الصورة بعد انعطافة 9/4/2003 . وعند البحث المتريث عن السر في استمرارية تناسل الطغاة على اختلاف يافطاتهم وهيئاتهم سنجد ذات الظاهرة، ظاهرة الكذب،مافتأت تتغذى وتغذي في الوقت عينه ذلك التناسل المستمر.
وبالنظر الى ما يصرح به بعض المسؤولين من اكاذيب من قبيل سوف نفعل ونعتزم ان نقيم وسنشرع بالعمل و..و..من دون ادنى حد من الحياء، وخير مثال على ذلك ما وعد ويعد به رئيس مجلس محافظة بغداد ومحافظها، والسؤال الحاظر اليوم في ضمير المواطن هل ستتوقف عن التدحرج نحو الاسفل اوضاعنا ؟ ومعها هل ستتوقف عن التدحرج والتضخم المستمر أيضا كرة ثلج الكذب ؟ سؤال تتوقف على الاجابة عليه، أحوال سبعة وعشرين مليون مصير من مصائر العراقيين.