و فيه عن حفص بن غياث قال : رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) يتخلل بساتين الكوفة فانتهى إلى نخلة فتوضأ عندها ثم ركع و سجد فأحصيت في سجوده خمسمائة تسبيحة ثم استند إلى نخلة فدعا بدعوات ثم قال يا حفص إنها و الله النخلة التي قال الله جل ذكره لمريم (عليه السلام) وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا .
تفسير علي بن إبراهيم وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا قال خرجت إلى النخلة اليابسة فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً قال في محرابها فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا يعني جبرئيل (عليه السلام) فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا فقال جبرئيل إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا فأنكرت ذلك لأنه لم يكن في العادة أن تحمل المرأة من غير فحل ف قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَ لَمْ أَكُ بَغِيًّا و لم يعلم جبرئيل (عليه السلام) أيضا كيفية القدرة فقال لها كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ .
قال فنفخ في جيبها فحملت بعيسى في الليل فوضعته في الغداة و كان حملها تسع ساعات جعل الله لها الشهور ساعات ثم ناداها جبرئيل (عليه السلام) وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ أي هزي النخلة اليابسة و كان ذلك اليوم سوقا فاستقبلتها الحاكة و كانت الحياكة أنيل أي أنفع صناعة في ذلك الزمان فأقبلوا على بغال شهب فقالت لهم مريم أين النخلة اليابسة فاستهزءوا بها و زجروها فقالت لهم جعل الله كسبكم نزرا أي قليل النفع و جعلكم في الناس عارا فاستقبلوها قوم من التجار فدلوها على النخلة اليابسة فقالت لهم جعل الله البركة في كسبكم و أحوج الناس إليكم
[405]
فلما بلغت النخلة أخذها المخاض فوضعت عيسى (عليه السلام) .
فلما نظرت إليه قالت يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَ كُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا ما ذا أقول لخالي و ما ذا أقول لبني إسرائيل فنادها عيسى من تحتها أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا أي نهرا و حركي النخلة تساقط عليك رطبا جنيا .
و كانت النخلة قد يبست منذ دهر فمدت يدها إلى النخلة فأورقت و أثمرت و سقط عليها الرطب الطري فطابت نفسها .
و قال لها عيسى قمطيني ثم افعلي كذا و كذا فقمطته و سوته و قال لها عيسى فَكُلِي وَ اشْرَبِي وَ قَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً و صمتا كذا نزلت فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا .
ففقدوها في المحراب فخرجوا في طلبها و خرج زكريا فأقبلت و هو في صدرها و أقبلن مؤمنات بني إسرائيل يبسرن في وجهها فلم تكلمهن حتى دخلت في محرابها فجاء إليها بنو إسرائيل و زكريا قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَ ما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا و معنى قوله يا أُخْتَ هارُونَ إن هارون كان رجلا زانيا فاسقا فشبهوها به من أين هذا البلاء الذي جئتي فَأَشارَتْ إلى عيسى في المهد ف قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا فأنطق الله عيسى (عليه السلام) فقال إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا ... الآية .